فصل: تأويل الصفات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (نسخة منقحة مرتبة مفهرسة)



.تأويل الصفات:

السؤال الأول من الفتوى رقم (5082):
س1 تعلمنا في المدارس أن مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو الإيمان بها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وأن لا نصرف النصوص الواردة فيها عن ظواهرها ولكننا بعد ذلك التقينا بأناس زعموا لنا أن هناك مدرستين في مذهب أهل السنة والجماعة، المدرسة الأولى مدرسة ابن تيمية وتلاميذه رحمهم الله، والمدرسة الثانية مدرسة الأشاعرة، والذي تعلمناه هو ما ذكره ابن تيمية وتلاميذه أما بقية أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم فإنهم يرون أن لا مانع من تأويل صفات الله وأسمائه إذا لم يتعارض هذا التأويل مع نص شرعي ويحتجون لذلك بما قاله ابن الجوزي رحمه الله وغيره في هذا الباب، بل إن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل قد أول في بعض الصفات مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن» (*)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] وغير ذلك.
والسؤال الآن: هل تقسيم أهل السنة والجماعة إلى طائفتين بهذا الشكل صحيح؟ وما هو رأيكم فيما ذكروه من جواز التأويل إذا لم يتعارض مع نص شرعي، وما هو موقفنا من العلماء الذين أولوا في الصفات مثل ابن حجر والنووي وابن الجوزي وغيرهم هل نعتبرهم من أئمة أهل السنة والجماعة أم ماذا؟ وهل نقول: إنهم أخطئوا في تأويلاتهم أم كانوا ضالين في ذلك؟ ومن المعروف أن الأشاعرة يؤولون جميع الصفات ما عدا صفات المعاني السبعة فإذا وجد أحد العلماء يؤول صفتين أو ثلاثة هل يعتبر أشعريا؟
ج1: أولا: دعوى أن الإمام أحمد أول بعض نصوص الصفات؛ كحديث: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن» (*)، وحديث: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» إلخ- دعوى غير صحيحة، قال الإمام أحمد بن تيمية: (وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية أن أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض»، و«قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن»، و«إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن» فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف، لا علمه بما قال، ولا صدقه فيما قال). اهـ. من ص 398 من ج 5 من مجموع الفتاوى.
وبيان ذلك أن للتأويل ثلاثة معان: الأول: مآل الشيء وحقيقته التي يؤول إليها، كما في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 100] أي حقيقتها التي آلت إليها وقوعا، وليس هذا مقصودا في النصوص المذكورة في السؤال الثاني التأويل بمعنى صرف الكلام عن معناه الظاهر المتبادر منه إلى معنى خفي بعيد لقرينة، وهذا المعنى هو المصطلح عليه عند علماء الكلام وأصول الفقه، وليس متحققا في النصوص المذكورة في السؤال، فإن ظاهرها مراد لم تصرف عنه؛ لأنه حق كما سيأتي شرحه في المعنى الأخير للتأويل الثالث التأويل بمعنى التفسير وهو شرح معنى الكلام بما يدل عليه ظاهره ويتبادر إلى ذهن سامعه الخبير بلغة العرب وهو المقصود هنا، فإن جملة الحجر الأسود يمين الله في الأرض ليس ظاهرها أن الحجر صفة لله وأنه يمينه حتى يصرف عنه، بل معناه الظاهر منه أنه كيمينه بدليل بقية الأثر وهو جملة فمن صافحه فكأنما صافح الله، ومن قبله فكأنما قبل يمين الله فمن ضم أول الأثر إلى آخره تبين له أن ظاهره مراد لم يصرف عنه وأنه حق، وهذا ما يقوله أئمة السلف كالإمام أحمد وغيره منهم، وهو تأويل بمعنى التفسير لا بمعنى صرف الكلام عن ظاهره، كما زعمه المتأخرون، علما بأن ما ذكر لم يصح حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا القول في حديث: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن» (*)، فإن ظاهره لا يدل على مماسة ولا مداخلة وإنما يدل ظاهره على إثبات أصابع للرحمن حقيقة، وقلوب للعباد حقيقة، ويدل إسناد أحد ركني الجملة إلى الآخر على كمال قدرة الرحمن وكمال تصريفه لعباده كما يقال فلان وقف بين يدي الملك أو في قبضة يد الملك فإن ذلك لا يقتضي مماسة ولا مداخلة وإنما يدل ظاهره على وجود شخص وملك له يدان، ويدل ما في الكلام من إسناد على حضور شخص عند الملك وعلى تمكن الملك من تصريفه دون مماسة أو مداخلة، وكذا القول في قوله تعالى: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] وأمثال ذلك.
ثانيا: تقسيم أهل السنة والجماعة إلى طائفتين بهذا الشكل غير صحيح وبيانه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أمة واحدة عقيدة وسياسة حتى إذا كانت خلافة عثمان رضي الله عنه بدرت بوادر الاختلاف في السياسة دون العقيدة، فلما قتل وبايع عليا جماعة وبايع معاوية آخرون رضي الله عنهم وكان ما بينهم من حروب سياسية خرجت عليهم طائفة فسميت الخوارج ولم يختلفوا مع المسلمين في أصول الإيمان الستة ولا في الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام وإنما اختلفوا معهم في عقد الخلافة والتكفير بكبائر الذنوب والمسح على الرجلين في الوضوء وأمثال ذلك، ثم غلت طائفة من أصحاب علي فيه حتى عبده منهم من عبده فسموا الشيعة، ثم افترق كل من الخوارج والشيعة فرقا، ثم أنكر جماعة القدر، وكان ذلك آخر عصر الصحابة رضي الله عنهم فسموا القدرية، ثم كان الجعد بن درهم فكان أول من أنكر صفات الله وتأول ما جاء فيها من نصوص الآيات والأحاديث على غير معانيها فقتله خالد القسري، وتبعه في إنكار ذلك وتأويله تلميذه الجهم بن صفوان واشتهر بذلك فنسبت إليه هذه المقالة الشنيعة، وعرف من قالوا بها بالجهمية، ثم ظهرت المعتزلة فتبعوا الجهمية في تأويل نصوص الصفات وسموه تنزيها، وتبعوا القدرية في إنكار القدر وسموه عدلا، وتبعوا الخوارج في الخروج على الولاة وسموه الأمر بالمعروف إلى غير ذلك من مقالاتهم، وقد نشأ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري على مذهبهم واعتقد مبادئهم ثم هداه الله إلى الحق فتاب من الاعتزال ولزم طريق أهل السنة والجماعة، واجتهد في الرد على من خالفهم في أصول الإسلام رحمه الله، لكن بقيت فيه شوائب من مذهب المعتزلة كتأويل نصوص صفات الأفعال وتأثر بقول جهم بن صفوان في أفعال العباد، فقال بالجبر وسماه كسبا، وأمور أخرى تتبين لمن قرأ كتابه الإبانة الذي ألفه آخر حياته، كما يتبين مما كتبه عنه أصحابه الذين هم أعرف به من غيرهم وما كتبه عنه ابن تيمية في مؤلفاته رحمهم الله مما تقدم يتبين أن أهل السنة والجماعة حقا هم الذين اعتصموا بكتاب الله تعالى وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في عقائدهم وسائر أصول دينهم، ولم يعارضوا نصوصهما بالعقل أو الهوى، وتمسكوا بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من دعائم الإيمان وأركان الإسلام فكانوا أئمة الهدى ومنار الحق ودعاة الخير والفلاح؛ كالحسن البصري وسعيد بن المسيب ومجاهد وأبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق والبخاري ومن سلك سبيلهم والتزموا نهجهم عقيدة واستدلالا أما هؤلاء الذين خرجوا عنهم في مسائل من أصول الدين ففيهم من السنة بقدر ما بقي لديهم مما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الهدى من مسائل أصول الإسلام، وفيهم من البدع والخطأ بقدر ما خالفوهم فيه من ذلك قليلا كان أو كثيرا، وأقربهم إلى أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري ومن تبعه عقيدة واستدلالا وبهذا يعرف أن ليس لأهل السنة والجماعة مدرستان، إنما هي مدرسة واحدة يقوم بنصرتها والدعوة إليها من سلك طريقهم، وابن تيمية ممن قام بذلك ووقف حياته عليه وليس هو الذي أنشأ هذه الطريقة، بل هو متبع لما كان عليه أئمة الهدى من الصحابة ومن تبعهم من علماء القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير وكذلك مناظروه إنما قاموا بنصر مذهب من قلدوه ممن انتسب إلى أهل السنة والجماعة كأبي الحسن الأشعري وأصحابه بعد أن رجع عن الاعتزال وسلك طريق أهل السنة إلا في قليل من المسائل ولذا كان أقرب إلى طريقة أهل السنة والجماعة من سائر الطوائف.
ثالثا: من تأول من الأشعرية ونحوهم نصوص الأسماء والصفات إنما تأولها لمنافاتها الأدلة العقلية وبعض النصوص الشرعية في زعمه، وليس الأمر كذلك فإنها ليس فيها ما ينافي العقل الصريح وليس فيها ما ينافي النصوص فإن نصوص الشرع في أسماء الله وصفاته يصدق بعضها بعضا مع كثرتها في إثبات أسماء الله وصفاته على الحقيقة وتنزيهه سبحانه عن مشابهة خلقه.
رابعا: موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج بن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى أو فوضوا في أصل معناها- أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم فرحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عنا خير الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، وأنهم أخطئوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال أم بعض ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن قعود
السؤال الأول من الفتوى رقم (7034):
س1 إنني متحير في العقيدة الإسلامية من ناحية الأسماء والصفات لما أجده في مجلة (المجتمع) من الخصومات بين الشيخين (الفوزان- الصابوني) من الردود والرد عليها فجزاكم الله خيرا أريد أن أعرف الأسماء والصفات وما هو الخلاف وكذلك ما هو طريقة أهل السنة والجماعة؟
ج1 أولا: اقرأ كتب السلف في توحيد الأسماء والصفات، لتعرف منها أسماء الله وصفاته، وكل ما يجب اعتقاده من أمور التوحيد مثل مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وكتاب اجتماع الجيوش الإسلامية كلاهما لابن القيم، وكتاب العقيدة الواسطية، وكتاب السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل، فإن السلف أعلم بالدين ممن بعدهم، وأقوى دليلا، وأهدى سبيلا، مع وضوح العبارة والبعد عن تحريف الكلم عن مواضعه، وأسأل الله أن يبصرك بالحق ويهديك سواء السبيل مع الإخلاص في القول والعمل وألزم طاعة الله وطاعة رسوله فذلك مع الدراسة والتعلم أقوى سبب في الوصول إلى الصواب والاطمئنان إليه، وزوال الحيرة ودحض الباطل، وأكثر من قراءة القرآن فإنه الأصل، والسنة بيان.
ثانيا: الخلاف في مسائل الأسماء والصفات بين السلف ومن تبعهم في قولهم وبين الخلف، فالسلف ومن تبعهم لا يؤولون نصوص الكتاب والسنة الدالة على أسماء الله ولا يصرفونها عن حقيقتها اللائقة بجلال الله سبحانه وتعالى، بل يثبتون لله ما دلت عليه حقيقة، من غير تكييف ولا تشبيه له تعالى بخلقه، ومن غير تأويل ولا تعطيل، أما الخلف فإنهم يؤولون نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بأسماء الله وصفاته أو يؤولون بعضها، فمثلا قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] يفسره السلف بأن الله تعالى ارتفع وعلا بنفسه فهو فوق العرش على ما يليق بجلاله تعالى، ويفوضون في كيفية استوائه عليه.
أما الخلف فيؤولون الاستواء بالاستيلاء على العرش وما يحويه، والتسلط على ذلك، وينفون علوه على العرش حقيقة فليس الله تعالى- في رأيهم- فوق العالم ولا تحته ولا في أي جهة من جهات العالم، بل هو في زعمهم في كل مكان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وكذلك قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] يثبت بها السلف أن لله يدين حقيقة على ما يليق به، ويثبتون كمال الكرم والسخاء من الخبر عنهما بأنهما مبسوطتان، ويقول الخلف إن المراد بهما الكرم والسخاء والإنعام والإعطاء فليس لله يدان- في زعمهم- ولا شك أن الحق مع السلف ومن تبعهم في إثبات معاني النصوص حقيقة من غير تكييف ولا تمثيل له بخلقه ولا تأويل ولا تعطيل؛ لأن الأصل الحقيقة ولا دليل على العدول عنها، فكان السلف بذلك أسعد بالدليل.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود
السؤال الثاني من الفتوى رقم (7916):
س2 ما حكم التأويل حسب هوى النفس؟
ج2 حرام، وقد يكون كفرا وقد يكون معصية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود